حذر الرئيس القبرصي في خطابه أمام الدورة 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، من أن العالم يقف "على حافة الهاوية" في ظل تحديات غير مسبوقة تهدد النظام الدولي بعد ثمانية عقود على تأسيس المنظمة. وأكد أن الحروب المدمرة والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والإنساني وتصاعد النزاعات بين الدول، كلها تنذر بانهيار منظومة الأمن العالمي.
وأشار إلى أن استخدام القوة ضد سيادة الدول يتوسع بشكل خطير، مع بروز أساليب جديدة للحرب بلا ضوابط، إضافة إلى مخاطر الذكاء الاصطناعي غير المنظم، وتداعيات التغير المناخي الذي يهدد الاقتصادات ويزيد من الهجرة وعدم المساواة.
دعا الرئيس القبرصي إلى مراجعة صريحة لأوجه القصور في أداء الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، مؤكداً أن "المسؤولية الجماعية والفردية" للدول هي السبيل الوحيد لمواجهة هذه التحديات، وأن الحوار والدبلوماسية يجب أن يحلا محل العنف "في كل مرة ودون استثناء".
قال الرئيس خربيستوذوليذيس في كلمته فيما يتعلق بالمسألة القبرصية، أنه من على هذه المنصة ذاتها أمس، خاطب السيد أردوغان العالم بالسلام والمساءلة. ووجّه أصابع الاتهام للآخرين على الجرائم ذاتها التي ترتكبها تركيا يومياً. وأكد أن هذا نفاق انتقائي ونفاق على أعلى مستوياته. إنه لا يُمكن للاشرعية أن تُفضي إلى الشرعية، ولا يُمكن الاعتراف باللاشرعية الناجمة عن استخدام القوة بغض النظر عن الجاني وعن الضحية.
وتابع، لا يُحكم على السياسيين بأقوالهم، بل بأفعالهم، وهذا ما يُميز السياسيين عن القادة. لقد أثبتت قبرص مراراً وتكراراً أنها طرف مسؤول موثوق، وبلد لا "يقول الكلام" فحسب، بل "يطبق" أيضاً نهج المسؤولية. إنني أدعو السيد أردوغان إلى الانضمام إلى مسار المسؤولية هذا من خلال إنهاء الاحتلال، ومن خلال مفاوضات من أجل تسوية شاملة تعيد توحيد قبرص في اتحاد ثنائي من منطقتين وطائفتين قائمٍ على المساواة السياسية، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقيم ومبادئ قانون الاتحاد الأوروبي.
أضاف الرئيس خريستوذوليذيس "لذا، دعوني أكرر أن نداء المسؤولية هو الأعلى في بلدي. أنا مستعد لهذه اللحظة من المسؤولية، مستعد لتلبية نداء التاريخ لإعادة توحيد قبرص وإعادة توحيد شعبي القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك".
واستعرض دور بلاده في تعزيز الاستقرار الإقليمي، مؤكداً أن قبرص تحولت إلى "ملاذ آمن" في شرق المتوسط من خلال تسهيل إجلاء المدنيين من مناطق النزاع في السودان ولبنان وإسرائيل وإيران. كما أشار إلى إنشاء ممر "أمالثيا" البحري لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة بعد حرب أكتوبر، بالتعاون مع شركاء دوليين، وإلى مبادرة مشتركة مع الأردن لإنشاء مركز أوروبي لمكافحة الحرائق. كما عيّنت قبرص مبعوثاً خاصاً لحماية الحريات الدينية والأقليات في الشرق الأوسط.
وفيما يخص الحرب الأوكرانية، أكد أن العدوان الروسي على أوكرانيا، الذي ينتهك ميثاق الأمم المتحدة، يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار. وأشار إلى إنه في الوقت الذي ندين فيه استخدام القوة ضد دولة ذات سيادة وقتل المدنيين والاختفاء القسري للأطفال والتدمير والتشريد، علينا واجب أن نتذكر أنه يجب أن نتحرك جماعياً ضد المعتدين أياً كانوا. إن استرضاء المعتدي لا يثمر أبداً، والتاريخ يثبت ذلك جلياً. إننا في كل مرة نغض الطرف عن انتهاك سلامة أراضي الدول وسيادتها في أي مكان في العالم، فإننا نهيئ مساحة وفرصة للمعتدي التالي. وهذه المرة قد يكون على حدود بلدك.
أضاف، لقد غزت روسيا دولة ذات سيادة، أوكرانيا، منتهكة بذلك ميثاق الأمم المتحدة. في في عام 1974 غزت تركيا دولة ذات سيادة، قبرص، منتهكة بذلك ميثاق الأمم المتحدة. إن الانتهاك متساوٍ من حيث المعاناة والغزو والاحتلال. إن قبرص ما زالت تحت الاحتلال التركي منذ 51 عاماً، وهناك عشرات الآلاف من المهجرين والنساء المغتصبات وتدمير للتراث الثقافي والديني. إن مدينة فاروشا المُسيجة، التي تحتجزها تركيا رهينة، تنتظر عودة سكانها الشرعيين، وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة التي نصّت على أن تسمح تركيا بذلك. هناك سياسة استيطان غير شرعي لتغيير الطابع الديموغرافي لقبرص. هناك عائلاتٌ تنتظر مصير أحبائها منذ عقود. إني كصبيٍّ صغير في تلك السنوات الأولى بعد الغزو، حفرت في ذاكرتي صور الأمهات والأطفال وهم يبكون على أحبائهم.
أما فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، شدّد الرئيس القبرصي على أنه "لا بديل عن السلام"، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وضمان تدفق المساعدات، وإنهاء النزوح، وإطلاق سراح جميع الرهائن، مع التأكيد على الحل القائم على دولتين وفق قرارات مجلس الأمن.
وعلى الصعيد الأوروبي، أعلن أن قبرص ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي في النصف الأول من 2026، وأن هناك حاجة ملحة لتعزيز تعددية الأطراف، ومزيد من التكامل والتعاون بين أوروبا والعالم لبناء اتحاد أقوى وأكثر أمناً واستقلالية. كما أكد الالتزام بدعم الشركاء، مع التركيز أيضاً على شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط الكبير. علينا أن ندعم ونستثمر في شركاء استراتيجيين يُمثلون ركائز الاستقرار في المنطقة، مثل الأردن ومصر. إننا نعمل مع شركائنا اللبنانيين لضمان استقرار مستدام في البلاد. كما نسعى لضمان الاستقرار في سوريا من أجل الشمولية واحترام الحريات الدينية وحماية الأقليات. أننا نتحمل المزيد من المسؤولية كاتحاد تجاه أمننا وأمن جيراننا، .كما أشار إلى انتخاب قبرص لأول مرة في مجلس حقوق الإنسان للفترة 2025-2027.
اختتم الرئيس القبرصي خطابه بالتأكيد أن "التاريخ لن يحكم علينا بما نقوله، بل بما ننجزه"، معلناً أن بلاده ستواصل دورها كـ"شريك موثوق ومسؤول" في خدمة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
واق MMI/2025
نهاية الخبر، وكالة الأنباء القبرصية